الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة «لا تخش شيئا، فالموت الى جانبك» للمسرحي السوري نمر سلمون: الحياة تحت سطوة الموت

نشر في  30 أفريل 2014  (12:25)

في مسرحية «لا تخش شيئا، فالموت الى جانبك» للمسرحي السوري نمر سلمون، تسقط أوراق شجرة الموت الواحدة تلو الأخرى لتزيح الستار عن هذا «المحرّم» الذي يخشى العديدون منا سبر أغواره وحتى التطرق إليه...

ففي هذا العمل المسرحي الذي قدّمه الحكواتي السوري نمر سلمون بدار الثقافة ابن خلدون يوم الجمعة 25 أفريل، غيّبت السخرية السوداء الموت فبدا هذا الأخير بمثابة الطيف الحاضر الغائب الذي تحضر تيمته لكنه يتلاشى أمام أشكال أخرى من الموت قد تكون أشدّ قسوة ووقعا على النفوس، ومنها التعذيب والاعتقال وموت المشاعر وانعدام الشخصية... أفليس الموت بالحياة في بعض الأحيان أشدّ إيلاما من الموت الطبيعي؟

وقد اعتمد نمر سلمون في عمله الذي قدمه لأوّل مرّة في تونس على عامل الارتجال حيث استدعى على الركح متفرجين اثنين ليسألهما عن الطريقة التي يرغبان في مغادرة الحياة بها.. يسأل الحكواتي «كيف تريد أن تموت؟» فيجيب الأوّل: «شنقا» وتجيب الثانية: «غرقا»، وبهذه الطريقة يدعو المسرحي الجمهور للتفكير في هذا الموضوع الذي يلازمنا ولكنّنا نتحاشى الخوض فيه...

وعلاوة على ذلك يستدرجنا المسرحي، من خلال الحكايات التي يستعرضها الى عمق الأحاسيس التي ترافق موت القريب، إذ «كيف تُبكى الأمهات، هل بدموع العينين؟» و«كيف يُبكى الابن؟»، ولعلّ معايشة المسرحي لما يحدث في سوريا من تقتيل وإراقة للدّماء كان له أثر على ما تضمنه عمله من ثنايا قاتلة..

وكان نمر سلمون ذكر عقب العرض أنّ المشهد الأخير الذي يحمله من سوريا هو ذلك الموت المجاني والموت العبثي الذي استأثر بالوجود... ولاحظ سلمون أنّ العالم لا يدرك ما يحدث في سوريا ضمن الحملة الموتية التي تعرفها البلاد والفظاعات المسكوت عنها.. فهناك ارتدى الموت لبوسا جديدا ومنها «الخوف من الاعتقال» و«الحذر من التفجيرات» و«الإفلات من التعذيب» وقال نمر سلمون إنّ السوريين يمشون تحت سطوة الموت وإنّ فلسفة الموت في سوريا أصبحت رديفة للفكرة التالية «أيّها الموت، كن رحيما بنا».. مضيفا أنّ بعض الأشخاص ـ مع الأسف ـ، عادوا بعد الثورة إلى «قرديتهم» اي إلى ما قبل انسانيتهم فمارسوا ضدّ أخيهم الإنسان بشاعات لايمكن للعقل البشري أن يتصوّرها...

ورغم قساوة المشهد، ينثر نمر سلمون ابتساماته هنا وهناك على عملة الفني: قبل أن يعيد عمامة الحكواتي السوداء على رأسه، ثمّ ينثرها وهو يدعو المتفرجين ليصعدوا على الركح، وأيضا عندما يتحدث عن الحب... أفليست الابتسامة وحب الحياة اجمل ما يمكن أن نقاوم به الموت، مرارا ومرارا قبل أن ينطفئ فتيل الشمعة الأخيرة؟

في «لا تخش شيئا، فالموت الى جانبك» يسحب الفنان نمر سلمون البساط من تحت ساقي الموت قبل ان يسحب هو منا ذلك البساط، فيتهاوى وشاحه الأسود ليظهر بوجهه الحقيقي ذلك الوجه الذي يلازمنا في كل لحظة من وجودنا عندما نعجز عن الحب، عندما تركد أرواحنا وتتجمّد عواطفنا، عندما نقترف البشاعات، عندما نفقد القدرة على التعبير، عندما تذوب إنسانيتنا بدرجات ويظهر اللاإنسان المتخفي فينا.. وقد يكون ذلك من أبشع أشكال الموت..

شيراز بن مراد